أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يتولاك في الدنيا والآخرة ، وأن يجعلك مباركاً أينما كنت ، وأن يجعلك ممن إذا أُعطي شكر ، وإذا ابتُلي صبر ، وإذا أذنب استغفر ، فإن هؤلاء الثلاث عنوان السعادة.

مراتب الجهاد

مراتب الجهاد

للإمام ابن قيّم الجوزية رحمه الله

الجهادُ أربع مراتب:

جهادُ النفس،

وجهادُ الشيطان،

وجهادُ الكفار،

وجهادُ المنافقين.

فجهاد النفس أربعُ مراتب أيضاً:

إحداها: أَنْ يُجاهِدَها على تعلُّم الهُدى، ودين الحق الذي لا فلاح لها، ولا سعادة في معاشها ومعادها إلا به، ومتى فاتها عِلمُه، شقيت في الدَّارين.

الثانية : أن يُجاهدها على العمل به بعد علمه، وإلا فمجرَّدُ العلم بلا عمل إن لم يَضُرَّها لم ينفعْها.

الثالثة : أن يُجاهدها على الدعوة إليه، وتعليمِهِ مَنْ لا يعلمهُ، وإلا كان مِن الذين يكتُمون ما أنزل الله مِن الهُدى والبينات، ولا ينفعُهُ علمُهُ، ولا يُنجِيه مِن عذاب الله.

الرابعة : أن يُجاهِدَها على الصبر على مشاقِّ الدعوة إلى الله، وأذى الخلق، ويتحمَّل ذلك كله لله. فإذا استكمل هذه المراتب الأربع، صار من الربَّانِيينَ، فإن السلفَ مُجمِعُونَ على أن العَالِمَ لا يَستحِقُّ أن يُسمى ربَّانياً حتى يعرِفَ الحقَّ، ويعملَ به، ويُعَلِّمَه، فمَن علِمَ وَعَمِلَ وعَلَّمَ فذاكَ يُدعى عظيماً في ملكوتِ السموات.

وأما جهادُ الشيطان، فمرتبتان:

إحداهما: جهادُه على دفع ما يُلقى إلى العبد مِن الشبهات والشُّكوكِ القادحة في الإيمان.

الثانية: جهادهُ على دفع ما يُلقى إليه من الإرادات الفاسدة والشهواتِ.

فالجهادُ الأول يكون بعده اليقين، والثاني يكون بعدَه الصبر. قال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُواْ، وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة: 24]، فأخبر أن إمامة الدين، إنما تُنال بالصبر واليقين، فالصبر يدفع الشهواتِ والإرادات الفاسدة، واليقينُ يدفع الشكوك والشبهات.

وأما جهادُ الكفار والمنافقين، فأربع مراتب:

بالقلب، واللِّسان، والمالِ، والنفسِ،

وجهادُ الكفار أخصُّ باليد(1)، وجهادُ المنافقين أخصُّ باللسان.

"وجهادُ المنافقين أصعبُ مِن جهاد الكفار، وهو جهادُ خواصِّ الأمة، وورثةِ الرُّسل، والقائمون به أفرادٌ في العالَم، والمشارِكُون فيه، والمعاونون عليه، وإن كانوا هُم الأقلين عدداً، فهم الأعظمون عند الله قدراً".

وأما جهادُ أرباب الظلم، والبِدعِ، والمنكرات، فثلاث مراتبَ:

الأولى: باليدِ إذا قَدَرَ،

فإن عَجَزَ، انتقل إلى اللِّسان،

فإن عَجَزَ، جاهد بقلبه،

فهذِهِ ثلاثةَ عشرَ مرتبةً من الجهاد، و"مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ، وَلَمْ يُحَدِّثْ نَفْسَهُ بِالغَزْوِ، مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنَ النَّفَاقِ" رواه مسلم.

____________

(1) قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين : لابد فيه من شرط وهو أن يكون عند المسلمين قدرة وقوة يستطيعون بها القتال، فإن لم يكن لديهم قدرة فإن إقحام أنفسهم في القتال إلقاء بأنفسهم إلى التهلكة، ولهذا لم يوجب الله سبحانه وتعالى على المسلمين القتال وهم في مكة، لأنهم عاجزون ضعفاء فلما هاجروا إلى المدينة وكونوا الدولة الإسلامية وصار لهم شوكة أُمروا بالقتال، وعلى هذا فلابد من هذا الشرط، وإلا سقط عنهم كسائر الواجبات لأن جميع الواجبات يشترط فيها القدرة لقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} وقوله: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلا وُسْعَهَا} ا.هـ [الشرح الممتع (8/9)]

من كتاب زاد المعاد في هدي خير العباد ( 3 / 9 )

هناك 3 تعليقات:

  1. السلام عليكم

    سؤال له علاقة بفتوى الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمنا الله واياه, هل يتوجب على المسلمين ترك بيت المقدس وارض الرافدين وغيرها بايدي الكفرة صليبيين و صهاينة يعبثون بها ويذلون اهلها حتى تقوى شوكة المسلمين ويساندوا اخوتهم؟

    حيث ان لا سلاح لدينا بميزان القوة الذي يتكلم عنه حكامنا , ويبان ان الفتوى تعنى ان ننام حتى يبعث الله سبحانه بالاسباب للجهاد ؟ فهل هذا هو الحل ام انني فهمت الموضوع خطأ ؟؟

    ردحذف
  2. معذرة على تأخر الرد

    أجيبك بما أجاب به شيخنا العلامة ابن عثيمين رحمه الله

    حيث سئل: هل الإعداد للجهاد فرض عين أم فرض كفاية؟

    فأجاب:

    الإعداد للجهاد ومباشرة الجهاد فرض كفاية، فلو وجدنا مثلاً أمة تستعد للجهاد في سبيل الله، وعندها ما يكفي صار في حق الآخرين سنة وليس بواجب، وإذا لم يوجد أحدٌ أَثِمَ الجميع في عدم الإعداد وعدم الجهاد.

    لكن الأمر -كما ترى- في الوقت الحاضر ليس هناك صِدْقٌ مع الله، لا بالنسبة للناس، ولا بالنسبة لحكام الناس.

    فأما الناس فتجدُ عامتهم وأكثرَهم غافلين عن هذا إطلاقاً، وليس عندهم استعداد، فهم في غفلة؛ بل لم يحصل منهم حتى جهاد أنفسهم عن محارم الله.

    وأما الحكام فكما ترى، هم أيضاً غافلون عن هذا نهائياً، ولذلك أصبحت الأمة الإسلامية الآن أمةً ممزقة متفرقة، وأصبح الكفار هم الذين لهم السيطرة على العالم، ولا يمكن أن يكون لنا سيطرة على العالم وعلى الكفار إلا بالرجوع إلى الدين الذي بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم وتطبيقِه عقيدةً وقولاً وعملاً؛ في عبادة الله، وفي معاملة عباد الله، ولهذا لَمَّا قال أبو سفيان لـ هرقل ما يعلمه من صفات الرسول عليه الصلاة والسلام ومعاملته، قال له هرقل : [ إن كان ما تقولُه حقاً فسيملك ما تحت قدمي هاتين ].

    فنحن الآن في حال يُرْثَى لها في الواقع، نسأل الله تعالى أن يعيد للأمة الإسلامية مجدها.
    [لقاء الباب المفتوح رقم 42]

    وسيأتي بإذن مزيد من الموضوعات المتعلقة بالموضوع .. والله الموفق.

    ردحذف
  3. وقال رحمه الله في شرحه لكتاب الجهاد من بلوغ المرام الدرس الأول بتاريخ 9/5/1415هـ

    الواجب علينا أن نعد لهم ما استطعنا لهم من قوة وأهم قوة نعدها هو الإيمان والتقوى هو القوة لأننا بالإيمان والتقوى سوف نقضي على أهوائنا ونقضي أيضاً على تباطئنا وتثاقلنا ونقضي أيضاً على محبتنا للدنيا لأننا الآن نحب الدنيا ونكره الموت .

    فالصحابة رضي الله عنهم المجاهدون حالهم عكس حالنا يريدون الموت ويكرهون الحياة في الذل، فالواجب أن نعد ما استطعنا من القوة وأولها الإيمان والتقوى ثم التسلح، الذي علم هؤلاء ألا يعلمنا؟ بلى، يعلمنا لكن لم نتحرك ثم في الواقع لو تحركنا قمعت الرؤوس ما نستطيع - ولا حاجة إلى أن نعين لكم - أنهم إذا رأوا دولة يمكن أن تنتعش بالأسلحة فعلوا ما فعلوا مما هو معلوم لكم، أقول إن الواجب الآن أن نستعد بالإيمان والتقوى وأن نبذل الجهد، والشيء الذي لا نقدر عليه نحن غير مكلفين به ونستعين بالله عز وجل على هؤلاء الأعداء .

    ونحن نعلم أن الله عز وجل لو شاء لانتصر منهم كما قال تعالى: {وّلّوً يّشّاءٍ اللّهٍ لانتّصّرّ مٌنًهٍمً وّلّكٌن لٌَيّبًلٍوّ بّعًضّكٍم بٌبّعًضُ وّالَّذٌينّ قٍتٌلٍوا فٌي سّبٌيلٌ اللهٌ فّلّن يٍضٌلَّ أّعًمّالّهٍمً} .

    حتى لو ابتلى بعضنا ببعض وقتل منا فإن الله لن يضل أعمال هؤلاء الذين قتلوا في سبيل الله {سّيّهًدٌيهٌمً وّيٍصًلٌحٍ بّالّهٍمً * وّيٍدًخٌلٍهٍمٍ الجّنَّةّ عّرَّفّهّا لّهٍمً }

    فالحاصل الذي أحب أن أقول وأأكد أنه لابد من القدرة أما مع عدم القدرة فإن الشرع والقدر يتفقان بأنه لا يجب علينا ما دمنا لا نستطيع الواقع والشرع كله يدل على هذا.

    ردحذف