أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يتولاك في الدنيا والآخرة ، وأن يجعلك مباركاً أينما كنت ، وأن يجعلك ممن إذا أُعطي شكر ، وإذا ابتُلي صبر ، وإذا أذنب استغفر ، فإن هؤلاء الثلاث عنوان السعادة.

بذنوبنا سُلِّط علينا عدونا

بذنوبنا سُلِّط علينا عدونا

الخليفة الراشد عمر بن العزيز رحمه الله

عَهِدَ عمر بن عبد العزيز إلى بعضِ عُمَّاله فقال:

عليك بتقوى الله في كلَّّ حال يَنزل بك، فإنَّ تقوى الله أفضلُ العُدَّة، وأبلغُ المكيدة، وأقوى القوة، ولا تكن في شيءٍ من عداوة عدوِّك أشدَّ احتراساً لنفسك ومَن معك من معاصي الله، فإنَّ الذنوبَ أخوفُ عندي على النَّاس من مكيدة عدوِّهم، وإنّّما نعادي عدوَّنا، ونستنصرُ عليهم بمعصيتهم، ولولا ذلك لم تكن لنا قوَّةٌ بهم، لأنَّ عددَنا ليس كعددهم، ولا قوتَنا كقوَّتهم، فلو استوينا نحن وهم في المعصية كانوا أفضل منا في القوَّةِ والعدد، فإنْ لا نُنْصَرْ عليهم بحقنا لا نغلبْهم بقوَّتنا.

ولا تكونوا لعداوةِ أحدٍ مِن النَّاس أحذرَ منكم لذنوبكم، ولا أشدَّ تعاهداً منكم لذنوبكم، واعلموا أنَّ عليكم ملائكةَ الله حفظةٌ عليكم، يعلمون ما تفعلون في مسيركم ومنازلكم، فاستحيُوا منهم، وأحسنوا صحابَتَهم، ولا تؤذوهم بمعاصي الله، وأنتم زعمتم في سبيل الله.

ولا تقولوا إنَّ عدوَّنا شرٌّ منَّا، ولن يُنصَروا علينا وإن أذْنبْنا، فكم من قوم قد سُلِّط - أو سُخِط - عليهم بأشرَّ منهم لذنوبهم(1)، وسَلُوا اللهَ العَوْنَ على أنفسكم، كما تسألونه العونَ على عدوِّكم، نسأل الله ذلك لنا ولكم.

وارْفُقْ بِمَن مَعك في مسيرهم، فلا تَجشّمْهم مسيراً يُتعبُهم، ولا تقْصُرْ بهم عن منزلٍ يرْفُقُ بهم، حتى يُلْقَوْا عدوَّهم والسفرُ لم يُنقصْ قوَّتهم ولا كراعَهم(2)؛ فإنَّكم تسيرون إلى عدو مقيمٍ، جَام(3) الأنفس والكراع، وإلاَّ ترفُقُوا بأنفسكم وكراعكم في مسيركم يكن لعدوِّكم فضلٌ في القوة عليكُم في إقامتِهم في جمام الأنفس والكُراع، والله المستعان.

أقِم بِمَن معك في كلِّ جمعة يوماً وليلةً لتكون لهم راحة يجمُّون بها أنفسهم وكراعهم، ويرمون أسلحتهم وأمتعتهم.

ونَحِّ منزلَك عن قرى الصُّلح، ولا يدخلها أحدٌ من أصحابك لسوقهم وحاجتهم، إلاَّ مَن تثقُ به وتأمنُه على نفسه ودينه، فلا يصيبوا فيها ظلماً، ولا يُتزوَّدوا منها إثْماً، ولا يرزَؤون(4) أحداً مِن أهلها شيئاً إلاَّ بحقٍّ، فإنَّ لَهم حُرمةً وذِمَّةً ابتُلِيتُم بالوفاء بها كما ابْتُلُوا بالصبَّر عليها، فلا تَستَنصِروا على أهلِ الحربِ بظلمِ أهلِ الصُّلح.

ولْتَكن عيونُك مِن العرب مِمَّن تَطمئن إلى نُصحِه مِن أهلِ الأضِ، فإنَّ الكَذوب لا ينفَعُكَ خبَرُه وإنْ صَدَقَ في بعضِه، وإنَّ الغاشَّ عَينٌ عَليك ولَيس بعَينٍ لَك، والسلام عليك.

____________

(1) قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى (11/645): وإذا كان في المسلمين ضعف وكان عدوهم مستظهرا عليهم كان ذلك بسبب ذنوبهم وخطاياهم؛ إما لتفريطهم في أداء الواجبات باطنا وظاهرا وإما لعدوانهم بتعدي الحدود باطنا وظاهرا . قال الله تعالى: {إنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا} وقال تعالى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} وقال تعالى: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ . الَّذِينَ إنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ } .

(2) الكُراع اسم يجمع الخيل.

(3) الجَمام بالفتح الراحة وجَمَّ الفرسُ تُرِكَ فلم يُرْكَبْ فعَفَا من تَعَبه وذهب إِعياؤه.

(4) يقال ما رَزَأَ فلاناً شيئاً أَي: ما أَصابَ من مالهِ شيئاً ولا نَقَصَ منه.

من كتاب سيرة عمر بن عبد العزيز على ما رواه الإمام مالك بن أنس وأصحابه ص 76

لأبي محمد عبد الله بن عبد الحكم المتوفى سنة 214 هـ

وأبو نعيم في الحلية ( 5 / 303 )

-۞ أقرأ أيضاً ::

صفة القلب السليم

الإمام ابن قيم الجوزية

من أنواع التسليط

الإمام ابن قيم الجوزية

احذر مغالطة النفس

الإمام ابن قيم الجوزية

كبائر القلب

الإمام محمد بن عبد الوهاب

أوزارنا تقض ظهورنا

العلامة ابن عثيمين

-

هناك 7 تعليقات:

  1. شكرا لابو راشد

    ردحذف
  2. جزاك الله خيرا على عملك الرائع ابوراشد وجعل الله الجنة جزاك أخي الحبيب هل لي بخدمة منك أن تقوم بتنزيل قالب مدونتك الرائعة وترسله لي عبر البريد الإلكتروني

    ردحذف
  3. آمين وجزاك الله خيراً.

    بالنسبة للقالب فلم آتي بقالب خارجي وإنما استخدمت ما هو متاح وغيرت في الألوان فقط.

    والله الموفق.

    ردحذف
  4. الله يرفع قدرك ...

    "
    /
    ||

    الى المدونات المفضله عندي في مدونتي ..

    زادك الكريم من فضله ..

    ردحذف
  5. اللهم أغفر لنا ذنوبنا وأهدي ضالنا وثبت مهتدينا..

    شكرا يا أبو راشد ..
    والله إن مدونتك في القمة..
    فلا خير أفضل من العلم , فكيف بالعلم الشرعي؟!!!

    أبو راشد , يا ليت إذا ممكن تنزل موضوع عن الإلحاد , وكيف نناقش الملحدين , فأنا طالب مبتعث ولا أرغب أن أناقش أحدًا في دينه أو معتقده لأن علمي الشرعي ضعيف جدا تقدر تصنفني (من العامة) , ولكن كثير منهم يحب يناقشني في هذا الأمر , إما للتشكيك أو للإطلاع , وأرغب في معرفة كيفية التعامل معهم ..
    آسف على الاطالة..
    وشكرا
    أخوك / سعد
    s3d.uk@live.co.uk

    ردحذف
  6. رفع الله فدرك فقد استفاد منك خلقٌ كثير

    ردحذف
  7. جزاك الله عنّا كل الخير

    بُورك لك فى سعيك

    ردحذف