ملحق "أصول في التكفير"
فوائد من قصة عبد الله حماراً وحاطب بن أبي بلتعه
للإمام عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن
قال رحمه الله:
وأما : إلحاق الوعيد المرتب على بعض الذنوب والكبائر، فقد يمنع منه مانع في حق المعين؛ كحب الله ورسوله، والجهاد في سبيله، ورجحان الحسنات، ومغفرة الله ورحمته، وشفاعة المؤمنين، والمصائب المكفرة، في الدور الثلاثة، ولذلك، لا يشهدون لمعين من أهل القبلة بجنة ولا نار، وإن أطلقوا الوعيد، كما أطلقه القرآن، والسنة، فهم يفرقون، بين العام المطلق، والخاص المقيد؛
وكان عبد الله حمار، يشرب الخمر، فأتى به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلعنه رجل، وقال ما أكثر ما يؤتى به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تلعنه، فإنه يحب الله ورسوله " مع أنه لعن الخمر، وشاربها، وبائعها، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها، والمحمولة إليه.
وتأمل: قصة حاطب بن أبي بلتعه، وما فيها من الفوائد، فإنه هاجر إلى الله ورسوله، وجاهد في سبيله، لكن حدث منه: أنه كتب بسر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين من أهل مكة، يخبرهم بشأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومسيره لجهادهم، ليتخذ بذلك يداً عندهم، تحمي أهله، وماله بمكة، فنزل الوحي بخبره، وكان قد أعطى الكتاب: ظعينة، جعلته في شعرها، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً، والزبير، في طلب الظعينة، وأخبرهما، أنهما يجدانها في روضة: خاخ، فكان ذلك، وتهدداها، حتى أخرجت الكتاب من صفائرها، فأتي به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فدعا حاطب بن أبي بلتعة، فقال له: " ما هذا " ؟ فقال : يا رسول الله، إني لم أكفر بعد إيماني، ولم أفعل هذا رغبة عن الإسلام، وإنما أردت أن تكون لي عند القوم يد، أحمي بها أهلي، ومالي، فقال صلى الله عليه وسلم : "صدقكم، خلوا سبيله" واستأذن عمر، في قتله، فقال: دعني أضرب عنق هذا المنافق، قال: " وما يدريك، أن الله اطلع على أهل بدر، فقال : اعملوا ما شئتم، فقد غفرت لكم " وأنزل الله في ذلك، صدر سورة الممتحنة، فقال : ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء ) الآيات.
فدخل حاطب في المخاطبة، باسم الإيمان، ووصفه به، وتناوله النهي بعمومه، وله خصوص السبب، الدال على إرادته، مع أن في الآية الكريمة، ما يُشعر: أن فعل حاطب نوع موالاة، وأنه أبلغ إليهم بالمودة، وأن فاعل ذلك، قد ضل سواء السبيل، لكن قوله: " صدقكم، خلوا سبيله " ظاهر في أنه لا يكفر بذلك، وإذا كان مؤمناً بالله ورسوله، غير شاك، ولا مرتاب؛ وإنما فعل ذلك، لغرض دنيوي، ولو كفر، لما قال : خلوا سبيله .
ولا يقال، قوله صلى الله عليه وسلم :" ما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر، فقال اعملوا ما شئتم، فقد غفرت لكم " هو المانع من تكفيره، لأنا نقول: لو كفر لما بقي من حسناته ما يمنع من إلحاق الكفر وأحكامه ؛ فإن الكفر : يهدم ما قبله، لقوله تعالى : { ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله } [ المائدة :5] وقوله : {ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون } [الأنعام:88] والكفر، محبط للحسنات والإيمان، بالإجماع ؛ فلا يظن هذا .
وأما قوله تعالى : { ومن يتولهم منكم فإنه منهم } [ المائدة:51] وقوله : { لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الأخر يوادون من حاد الله ورسوله } [المجادلة:22] وقوله : { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزواً ولعباً من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء واتقوا الله إن كنتم مؤمنين } [المائدة:57] فقد فسرته السنة، وقيدته وخصته بالموالاة المطلقة العامة.
وأصل : الموالاة، هو: الحب والنصرة، والصداقة ودون ذلك: مراتب متعددة؛ ولكل ذنب: حظه وقسطه، من الوعيد والذم؛ وهذا عند السلف الراسخين في العلم من الصحابة والتابعين معروف في هذا الباب وفى غيره وإنما أشكل الأمر، وخفيت المعانى، والتبست الأحكام على خلوف من العجم والمولدين الذين لا دراية لهم بهذا الشأن ولا مممارسة لهم بمعاني السنة والقرآن.
ولهذا: قال الحسن رضى الله عنه: من العجمة أتوا.
وقال عمرو بن العلاء لعمرو بن عبيد، لما ناظرة في مسألة خلود أهل الكبائر في النار واحتج ابن عبيد: أن هذا وعد والله لا يخلف وعده يشير إلى ما في القرآن من الوعيد على بعض الكبائر والذنوب بالنار والخلود فقال له ابن العلا: من العجمة أتيت ؛ هذا وعيد لا وعد وأنشد قول الشاعر:
وإنني وإن أوعدته أو وعدته ... لمخلف إيعادى ومنجز موعد
وقال بعض الأئمة فيما نقل البخاري أو غير: إن من سعادة الأعجمي، والعربي، إذا أسلما، أن يوفقا لصاحب سنة وأن من شقاوتهما: أن يمتحنا ويسرا لصاحب هوى وبدعة.
ونضرب لك مثلاً، هو:
أن رجلين تنازعا في آيات من كتاب الله أحدهما خارجي والآخر مرجىء
قال الخارجي: إن قوله: { إنما يتقبل الله من المتقين } [المائدة:2] دليل على حبوط أعمال العصاة، والفجار وبطلانها إذ لا قائل: انهم من عباد الله المتقين؛
قال المرجىء: هي في الشرك، فكل من اتق الشرك يقبل منه عمله لقوله تعالى { من جاء الحسنه فله عشر أمثالها } [الأنعام:160]
قال الخارجي: قوله تعالى : { ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبداً } [ الجن : 23 ] يرد ما ذهبت إليه .
قال المرجىء: المعصية هنا الشرك بالله واتخاذ الأنداد معه لقوله : { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } [النساء:48]
قال الخارجي: قوله { أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً } [السجدة:18] دليل على أن الفساق من أهل النار خالدين فيها.
قال له المرجىء: قوله في آخر الآية : { وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون } [السجدة:20] دليل: على أن المراد من كذب الله ورسوله، والفاسق، من أهل القبلة، مؤمن كامل الإيمان.
ومن وقف: على هذه المناظرة، من جهال الطلبة والآعاجم، ظن أنها الغاية المقصودة، وعض عليها بالنواجذ مع أن كلا القولين لا يرتضى، ولا يحكم بإصابته أهل العلم والهدى، وما عند السلف والراسخين في العلم خلاف هذا كله لأن الرجوع إلى السنة المبينة للناس ما نزل إليهم واجب، وأما أهل البدع والأهواء فيستغنون عنها بآرائهم وأهوائهم، وأذواقهم .
وقد بلغني : أنكم تأولتم، قوله تعالى في سورة محمد : { ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله سنطيعكم في بعض الأمر } [ محمد : 26 ] على بعض ما يجرى من أمراء الوقت من مكاتبة أو مصالحة أو هدنة لبعض رؤساء الضالين والملوك المشركين ولم تنظر لأول الآية وهى قوله : { إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى } [ محمد : 25 ] ولم تفقهوا المراد من هذه الطاعة ولا المراد من الأمر المعروف المذكور في هذه الآية الكريمة وفي قصة : صلح الحديبية، وما طلب المشركين واشترطوه وأجابهم إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يكفى في رد مفهومكم ودحض أباطيلكم.
موضوع له صلة: أصول في التكفير
بارك الله فيك أخي أبا راشد
ردحذفجزاك الله خيرا أخي الكريم
ردحذفأختك في الله
شام
بارك اللة فيكم وحفظكم
حذفجزاك الله خيرا اخي أبا راشد كل ما تقدمون و جعله في موازين حسناتكم
ردحذفالغريب
عودة الجهني الينبعي السلفي
ردحذفجزاكم الله خيرا
اسال العظيم رب العرش العظيم
ان يفتح عليك بلسان فصيح مبين وقلم بليغ سيال
يفقهه من سمعه ومن قرأه
خالصا لوجهه الاعلى
آمين
جعله الله في ميزانك ورحمك
ردحذفلو قال قائل أن صلح الحديبية لم يَنتقض من مشركي قريش وأن الصلح محدد بعدد الأعوام.
وأن مشركي هذا الزمان نادوا بالصلح إلى غير ميعاد ونقضوه وهم ينقضونه كل يوم
فعلى أي سبيل نحمل طاعة أئمة الكفر حينئذ؟
بارك الله فيك يا ابو راشد
ردحذفطارق فاضل عبد الغنى
والحمد للة الزي جعلنا خير امة اخرجة للناس
ردحذفأزال المؤلف هذا التعليق.
ردحذف