أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يتولاك في الدنيا والآخرة ، وأن يجعلك مباركاً أينما كنت ، وأن يجعلك ممن إذا أُعطي شكر ، وإذا ابتُلي صبر ، وإذا أذنب استغفر ، فإن هؤلاء الثلاث عنوان السعادة.

العمل بالحديث أم بالمذاهب

العمل بالحديث أم بالمذاهب

شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه

مسألة:

في رجُلٍ تفقَّه في مذْهبٍ من المذاهب الأربعة وتبصَّر فيه، واشتغلَ بَعدَهُ بالحديث، فرأى أحاديثَ صحيحةً لا يعلمُ لها ناسِخاً ولا خصماً ولا مُعارضاً وذلك المذهبُ مُخالفٌ لها، هل يجوزُ له العملُ بذلكَ المذهبِ، أو يَجِبُ عليه الرجوعُ إلى العملِ بالأحاديثِ ومُخالَفَةِ مذهَبِه ؟

الجواب:

الحمدُ لله، قد ثَبَتَ بالكتابِ، والسنَّةِ، والإجماعِ أنَّ الله سُبحانهُ وتعالى فَرَضَ على الخلقِ طاعَتَهُ وطاعَةَ رسُولِهِ، ولم يُوجِبْ على هذه الأمَّةِ طاعَةَ أحدٍ بِعينهِ في كُلِّ ما يأمُرُ به وينهى عنه، إلا رَسُولَ اللهِ -صَلَّى الله عليهِ وَسَلَّمَ- حتى كان صدِّيقُ الأمَّةَ وأفضلُها بعد نبيها يقولُ: أطيعوني ما أطعتُ الله، فإذا عصيتُ الله فلا طاعة لي عليكم.

واتفقوا كلُّهم على أنه ليسَ أحدٌ معصوماً في كلِّ ما يأمُرُ به وينهى عنه إلا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا قال غَيرُ واحدٍ من الأئِمّةِ: كُلُّ أحدٍ من الناسِ يؤخذُ من قولِهِ ويُتركُ، إلا رَسُولَ الله صلَّى الله عليهِ وسلَّمَ.

وهؤلاءِ الأئِمةُ الأربعةُ -رضي الله عنهُم-، قد نَهَوا الناسَ عن تقليدِهِم في كل ما يقولونَهُ، وذلكَ هو الواجبُ عليهم، فقالَ أبو حنيفَةَ: هذا رأيي فمن جاءَ برأيٍ خيرٍ منه قبلناه، ولهذا لَمَّا احتَجَّ أفضلُ أصْحابِهِ أبو يوسُفَ، أتى مالِكاً فسألهُ عن مسألةِ الصاعِ وصدقةِ الخضراواتِ، ومسألةِ الأجناسِ. فأخبَرَهُ مالكٌ بما يدُلُّ على السنَّةِ في ذلك، فقال: رَجعتُ إلى قولِك يا أبا عبد الله، ولو رأى صاحبي ما رأيت لرَجعَ كما رجعت إلى قولك يا أبا عبد الله.

ومالكٌ كان يقول: إنّما أنا بشرٌ أصيبُ وأخطئ، فاعرِضوا قولي على الكتاب والسنة. أو كلاماً هذا معناه.

والشافعيُّ كان يقول: إذا صَحَّ الحديثُ فاضربوا بقولي الحائط، وإذا رأيتَ الحُجَّةَ موضوعةً على الطريق فهي قولي. وفي "مختصر المزني" لما ذكر أنه اختصره من مذهبِ الشافعي لمن أراد معرفةَ مذهبهِ قال: مع إعلامة نهيهِ عن تقليدِهِ وتقليدِ غيرِهِ من العلماء.

والإمامُ أحمدَ كان يقولُ: لا تُقلِّدني ولا تقلِّد مالكاً، ولا الشافعي، ولا الثوري، وتَعَلَّم كما تعلَّمنَا. فكان يقولُ لمن قلَّدهُ: حرامٌ على الرجلِ أن يُقلِّدَ في دِينهِ الرِّجالَ، وقال: لا تقلِّد في دِينكَ الرِّجالَ، فإنهم لن يسلّمُوا من أن يغلَطُوا.

وقد ثبت في الصحيح: عن النبي -صلَّى الله عليهِ وسلمَ- أنه قال: « مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ » ولازِمُ ذلكَ أنَّ من لم يُفقِّههُ الله في الدين لم يُرِدْ به خيرًا فيكونُ التَّفقُّهُ في الدينِ فرضاً. والفقهُ في الدينِ: معرفةُ الأحكامِ الشرعيّةِ بأدِلتِها السمعية، فمن لم يَعرِف ذلكَ لم يكُنْ متفقِّهاً في الدين، لكن من الناسِ من قد يَعجزُ عن معرِفةِ الأدلِّةِ التفصيليِّةِ في جميعِ أمورِهِ، فيسقُطُ عنه ما يعجزُ عن معرفتهِ، لا كل ما يعجزُ عنه من التفقُّهِ، ويلزمُ ما يقدرُ عليهِ، وأمّا القادرُ على الاستدلالِ فقيل: يَحْرُمُ عليه التقليدُ مطلقاً، وقيل: يجوز مطلقاً. وقيل: يجوزُ عند الحاجةِ، كما إذا ضاقَ الوقتُ عن الاستدلال، وهذا القول أعدل.

والاجتهاد ليسَ هو أمرٌ واحدٌ لا يقبل التجزيء والانقسام، بل قد يكونُ الرجلُ مجتهداً في فنٍّ أو بابٍٍ أو مسألةٍ، دونَ فنٍّ وبابٍ ومسألةٍ، وكلُّ أحدٍ فاجتهاده بحسبِ وسعِهِ. فمن نظرَ في مسألةٍ تنازع العلماء فيها ورأى مع أحدِ القولين نصوصاً لم يعلم لها مُعارضاً بعد نَظَرِ مِثلهِ، فهو بين أمرين:

إما أن يتَّبعَ قول القائل الآخر لمجرد كونِه الإمام الذي اشتغلَ على مذهبه، ومثلُ هذا ليس بحجةٍ شرعية، بل مجردُ عادةٍ يعارِضُها عادَةُ غيرهِ اشتغَالَهُ على مذهب إمامٍ آخر.

وإما أن يتَّبع القول الذي تَرَجَّحَ في نظره بالنصوص الدالة عليه. وحينئذٍ فتكونُ موافقتُهُ لإمامٍ يقاوِمُ ذلك الإمامَ وتبقى النصوص سالمةً في حقه عن المعارض بالعمل فهذا هو الذي يَصلُح.

وإنما تَنَزَّلنا هذا التنَزُّل لأنه قد يُقال: إنَّ نَظَرَ هذا قاصِرٌ وليس اجتهادُهُ قائماً في هذه المسألة لِضعفِ آلة الاجتهاد في حقه. أمَّا إذا قَدَرَ على الاجتهادِ التّامِّ الذي يعتقدُ معه أن القول الآخر ليس معَهُ ما يدفَعُ به النص، فهذا يجبُ عليه اتِّباعُ النصوص، وإن لم يفعل كان متبعاً للظن وما تَهوى الأنفُس، وكان من أكبرِ العُصاةِ لله ولرسوله، بخلاف من قد يقول: قد يكونُ للقولِ الآخَرِ حُجَّةٌ راجحةٌ على هذا النص وأنا لا أعلمُها، فهذا يقال له: قد قال الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-:« إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ » والذي تستطيعُهُ من العلمِ والفقه في هذه المسألة قد دلك على أن هذا القول هو الراجح فعليك أن تتبع ذلك، ثم إن تبين لك فيما بعد أن للنص مُعارضاً راجحاً كان حُكمُكَ في ذلك حُكمُ المجتهد المستقِلِّ، إذا تغير اجتهادُه. وانتِقَالُ الإنسان من قول إلى قول لأجلِ ما تبيّنَ من الحق هو محمود فيه، بِخلافِ إصراره على قولٍ لا حُجَّةَ معه عليه، وتركُ القولِ الذي توضَّحت حُجَّتُهُ، أو الانتقال عن قولٍ إلى قولٍ لِمُجرَّدِ عادةٍ واتِّباعِ هوى، فهذا مذموم.

وإذا كان الإمامُ الْمُقلَّدُ قد سَمِعَ الحديثَ وتركَهُ، لا سيَّما إذا كان قد رواه أيضاً فمِثلُ هذا وحدَهُ لا يكونُ عُذراً في ترك النص، فقد بيّنّا فيما كتبناه في "رَفعِ الملامِ عن الأئِمةِ الأعلام" نحوَ عشرينَ عذراً للأئمةِ في ترك العملِ لبعض الحديث، وبيّنا أنّهم يُعذَرُونَ في التّركِ لتِلكَ الأعذار، وأمَّا نحنُ فمعذورون في تركنا لهذا القول.

فمن ترك الحديثَ لاعتقاده أن ظاهِرَ القرآن يُخالِفُه وأنَّ نصَّ الحديثِ الصحيحِ مقدمٌ على الظواهِرِ، ومقدمٌ على القياسِ والعمل، لم يكن عُذرُ ذلك الرجلِ عُذراً في حقه، فإنَّ ظُهُورَ المدارِكِ الشرعيةِ للأذهانِ وخَفَاءَها عنها أمرٌ لا ينضبطُ طرفاه، لا سيَّما إذا كان التاركُ للحديثِ مُعتقِداً أنه قد ترك العمل به المهاجرون والأنصار، من أهل المدينة النبوية وغيرها، الذين يقالُ إنهم لا يتركون الحديث إلا لاعتقادِهم أنه منسوخ أو مُعارَضٌ براجح، وقد بلَغَ مَنْ بَعْدهُ أنَّ المهاجرين والأنصار لم يتركوه، بل عَمِلَ به طائفةٌ منهُم، أو من سَمِعَهُ منهم ونحو ذلك مما يقدح في هذا المعارِضُ للنص.

وإذا قيل لهذا المستهدي المسترشد: أنتَ أعلمُ أم الإمام الفلاني، كانت هذه معارضةٌ فاسدة؛ لأن الإمام الفلاني قد خالَفَهُ في هذه المسألة من هو نظيرُهُ من الأئمة إلى نسبة أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وابن مسعود، وأُبيُّ، ومعاذٍ، ونحوهم من الأئمة وغيرهم، فكما أن هؤلاء الصحابة بعضُهُم لبعضٍ أكفَاءُ في موارِدِ النِّزاع، وإذا تنازعوا في شيءٍ ردُّوا ما تنازعوا فيه إلى الله والرَّسول، وإن كان بعضُهُم قد يكون أعلَمُ في مواضع أُخَرَ، فكذلك موارِدُ النِّزاعِ بين الأئمة، وقد ترك الناسُ قولَ عمر وابن مسعود في مسألة تيمم الجُنُب، وأخذوا بقول من هو دونَهُما: كأبي موسى الأشعري، وغيره، لما احتجَّ بالكتاب والسنة، وتركوا قول عمر في دية الأصابع، وأخذوا بقول معاوية لما كان معه السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « هذه وهذه سواء ». وقد كان بعضُ الناس يُناظِرُ ابن عباس في الْمُتعة فقال له: قال أبو بكر وعمر، فقال ابن عباس: يوشِكُ أن تنزل عليكم حجارةٌ من السماء، أقول: قال رسول الله، وتقولون: قال أبو بكر وعمر، ؟ وكذلك ابن عمر لما سألوه عنها فأمر بها فعارضوا بقول عمر، فتبين لهم أن عمر لم يُرِد ما يقولونه، فألَحُّوا عليه فقال لهم: أمرُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أحقُّ أن تتبعوا أم أمرُ عمر ؟ مع علم الناس أن أبا بكر وعمر أعلَمُهُم من فوقِ ابن عمر وابن عباس. ولو فُتِحَ هذا الباب لوَجَبَ أن يُعرِضَ عن أمر الله ورسوله، ويبقى كلُّ إمامٍ في أتْبَاعِهِ بمنزلة النبي صلى الله عليه وسلم في أمته، وهذا تبديل للدين يشبه ما عابَ الله به النصارى في قوله: { اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إلَّا لِيَعْبُدُوا إلَهًا وَاحِدًا لَا إلَهَ إلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ }. والله سبحانه أعلم والحمد لله.

من مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله

(20/210)

قبل أن تنشر عن نبيك شيئاً .. اقرأ هذه

قبل أن تنشر عن نبيك شيئاً .. اقرأ هذه

عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما : أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً ، وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إسْرَائِيلَ وَلاَ حَرَجَ، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّداً فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ )) . رواه البخاري

وعن عبد الله بن الزبير - رضي الله عنه - قال: قلت لأبي: «ما لي لا أسمعُكَ تحدِّثُ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما يُحدِّث فلان وفلان ؟ قال: أمَا إِنّى لم أُفَارِقهُ منذُ أسلمتُ، ولكني سمعتُهُ يقول: مَنّ كذبَ عليَّ مُتَعَمِّدا فليتبوأ مقعده من النار». رواه البخاري

وقال أنس بن مالك - رضي الله عنه - : «إني ليَمْنَعُني أن أحدِّثكم حديثا كثيرا : أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال : مَنّ تعمَّد عليَّ كذبِا فليتبوأ مقعده من النار» أخرجه مسلم.

أي: أخشى أن يجرني كثرة الحديث إلى الكذب

وقال مجاهد - رحمه الله - : «جاء بشير العدويّ إلى ابن عباس -رضي الله عنه- فجعل يحدِّث ويقول: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وجعل ابن عباس لا يأذَن لحديثه، ولا ينظر إليه، فقال بُشير: يا ابن عباس ما لي لا أراك تسمعُ لحديثي، أُحدِّثكَ عن رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم-، ولا تسمع ؟ فقال ابن عباس: إنّا كنا مرَّة إذا سمعنا رجلا يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ابتدرتْه أبصَارُنا، وأصغينا إليه بأسماعنا، فلما ركب الناسُ الصَّعْبَةَ والذَّلول لم نأخذ من الناس إلا ما نَعْرِفُ». وفي رواية : «فأمَّا إذْ ركبتم كلَّ صعبة وذَلُولِ، فهيهات» أخرجه مسلم.

والمراد بالصعبة والذلول: ترك المبالاة بالأمور والاحتراز في القول والفعل.

وهذا في عصر الصحابة فما بالك بهذه العصور المتأخرة.

وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «لا تكّذِبُوا عَلَيَّ، فإنَّهُ مَن كَذَبَ عليَّ يلج النَّارَ». أخرجه البخاري ومسلم

وفي رواية: «مَنْ تَقَوَّلَ عليَّ ما لم أقُلْ، فليتبؤأ مقْعدَه من النَّار» رواه البخاري

تقول، تقولت على فلان: إذا قلت عنه ما لم يقله.

شبهة: قد يقول قائل: إني عندما نشرت هذه الأحاديث الضعيفة لم أكن متعمداً، فلا يلحقني إثم.

ويرد على هذه الشبهة محدث العصر الألباني فيقول في مقدمة السلسلة الضعيفة:

(( فإنهم - أي ناشري الأحاديث الضعيفة - وإن لم يتعمدوا الكذب مباشرة، فقد ارتكبوه تبعاً؛ لنقلهم الأحاديث التي يقفون عليها جميعها، وهم يعلمون أن فيها ما هو ضعيف وما هو مكذوب قطعاً، وقد أشار إلى هذا المعنى قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "كَفى بالمرء كَذِباً أنْ يُحَدِّثَ بكل ما سمعَ ".

وقال في مقدمة تمام المنة:

"فله حظ من إثم الكاذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه قد أشار صلى الله عليه وسلم أن من حدث بكل ما سمعه - ومثله من كتبه - أنه واقع في الكذب عليه صلى الله عليه وسلم لا محالة، فكان بسبب ذلك أحد الكاذِبَيْن: الأول: الذي افتراه. والآخر: هذا الذي نشره !.

قال ابن حبان أيضا (1/9) : " في هذا الخبر زجر للمرء أن يحدث بكل ما سمع حتى يعلم علم اليقين صحته".

وقد صرح النووي بأن من لا يعرف ضعف الحديث لا يحل له أن يهجم على الاحتجاج به من غير بحث عليه بالتفتيش عنه إن كان عارفا ، أو بسؤال أهل العلم إن لم يكن عارفا ". انتهى النقل عن الألباني.

وقال الحافظ الدار قطني في مقدمة كتاب "الضعفاء والمتروكين" :

"توعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالنار من كذب عليه بعد أمره بالتبليغ عنه، ففي ذلك دليل على أنه إنما أمرَ أن يُبلَّغ عنه الصحيح دون السقيم، والحق دون الباطل، لا أن يُبلَّغ عنه جميع ما رُوي، لأنه قال -صلى الله عليه وسلم- : « كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ » أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة.

فمن حدث بجميع ما سمع من الأخبار المروية عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يميز صحيحها وسقيمها، وحقها من باطلها؛ باء بالإثم، وخيف عليه أن يدخل في جملة الكاذبين على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، بحكم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه منهم في قوله: « مَنْ حَدَّثَ عَنِّي بِحَديثٍ يَرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الكَاذِبينَ » فظاهر هذا الخبر دال على أن كل من روى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- حديثاً وهو شاك فيه أصحيح أو غير صحيح يكون كأحد الكاذبين لأنه -صلى الله عليه وسلم- قال:" مَنْ حَدَّثَ عَنِّي بِحَديثٍ يَرَى أَنَّهُ كَذِبٌ .. » ولم يقل: يستيقن أنه كذب" . اهـ

قال الحافظ زين الدين العراقي في كتابه المسمى "الباعث على الخلاص من حوادث القصاص" :

"وإن اتفق -أي القاص الذين لا علم له في الحديث- أنه نقل حديثاً صحيحاً كان آثماً في ذلك لأنه ينقل ما لا علم له به، وإن صادف الواقع كان آثماً بإقدامه على ما لا يعلم". ا.هـ

وقال الإمام النووي في شرح مسلم (1/70)

"أنه لا فرق في تحريم الكذب عليه صلى الله عليه وسلم بين ما كان في الأحكام وما لا حكم فيه كالترغيب والترهيب والمواعظ وغير ذلك فكله حرام من أكبر الكبائر، وأقبح القبائح بإجماع المسلمين الذين يعتد بهم في الإجماع".

وقال العلامة أحمد شاكر في "الباعث الحثيت" ص 101:

"وأما ما قاله أحمد بن حنيل، وعبد الرحمن بن مهدي، وعبد الله بن المبارك: "إذا روينا في الحلال والحرام شددنا، وإذا روينا في الفضائل ونحوها تساهلنا"، فإنما يريدون به - فيما أرجح، والله أعلم - أن التساهل إنما هو في الأخذ بالحديث الحسن الذي لم يصل إلى درجة الصحة، فإن الإصطلاح في التفرقة بين الصحيح والحسن، لم يكن في عصرهم مستقراً واضحاً، بل كان أكثر المتقدمين لا يصف الحديث إلا بالصحة أو بالضعف فقط".

وعقب الألباني فقال: "وعندي وجه آخر في ذلك: وهو أن يحمل تساهلهم المذكور على روايتهم إياها مقرونة بأسانيدها – كما هي عادتهم – هذه الأسانيد التي بها يمكن معرفة ضعف أحاديثها، فيكون ذكر السند مغنياً عن التصريح بالضعف، وأما أن يرووها بدون أسانيدها، كما هي طريقة الخلف، ودون بيان ضعفها، كما هو صنيع جمهورهم، فهم أجلّ وأتقى لله عز وجل من أن يفعلوا ذلك، والله أعلم". اهـ من "صحيح الجامع" ص 52

وقال الحافظ السخاوي في القول البديع ص 195:

سمعت شيخنا مراراً يقول: (يعني الحافظ ابن حجر العسقلاني) – وكتبه لي بخطه - إن شرائط العمل بالضعيف ثلاثة:

الأول: متفق عليه، أن يكون الضعف غير شديد فيخرج من انفرد من الكذابين والمتهمين بالكذب ومن فحش غلطه .

الثاني: أن يكون مندرجاً تحت أصل عام ، فيخرج ما يخترع بحيث لا يكون له أصل أصلاً .

الثالث: أن لا يعتقد عند العمل به ثبوته لئلا ينسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يقله. قال: الأخيران عن ابن عبد السلام وعن صاحبه ابن دقيق العيد والأول نقل العلائي الاتفاق عليه ا.هـ

وهذه الشروط تدل على وجوب معرفة حال الحديث وأن له أصل صحيح وهو مما يصعب الوقوف عليه من جماهير الناس.

قال الألباني: "قال الحافظ ابن رجب في شرح الترمذي ق112/2

"وظاهر ما ذكره مسلم في مقدمة كتابه (يعني "الصحيح") يقتضي أنه لا تروى أحاديث الترغيب والترهيب إلا عمن تروى عنه الأحكام"

قلت: -أي الألباني- وهذا الذي أدين الله به، وأدعو الناس إليه، أن الحديث الضعيف لا يعمل به مطلقا لا في الفضائل والمستحبات ولا غيرهما.

ذلك لأن الحديث الضعيف، إنما يفيد الظن المرجوح بلا خلاف أعرفه بين العلماء، وإذا كان كذلك فكيف يقال بجواز العمل به، والله عز وجل قد ذمه في غير ما آية من كتابه فقال تعالى: {وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} وقال تعالى: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ}. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ» أخرجه البخاري ومسلم".اهـ من "صحيح الجامع" ص 50

قال ابن تيمية: «المنقولات فيها كثير من الصدق وكثير من الكذب، والمرجع في التمييز بين هذا وهذا إلى أهل علم الحديث، كما نرجع إلى النحاة في الفرق بين نحو العرب ونحو غير العرب، ونرجع إلى علماء اللغة فيما هو من اللغة وما ليس من اللغة، وكذلك علماء الشعر والطب وغير ذلك، فلكل علم رجالٌ يعرفون به، والعلماء بالحديث أجلّ هؤلاء قدراً، وأعظمهم صدقاً، وأعلاهم منزلة، وأكثرهم ديناً، وهم من أعظم الناس صدقاً و أمانة وعلماً وخبرة فيما يذكرونه من الجرح والتعديل، مثل: مالك وشعبة وسفيان... » منهاج السنة النبوية (7/35).

وهذه أربع طرق للبحث عن صحة الحديث:

1- سؤال أهل العلم بهذا الفن، فإن لم تجد فاستعن بطالب علم.

2- البحث في كتب الحديث مثل كتب محدث العصر الشيخ محمد ناصر الدين الألباني ومن أهمها:

أ – صحيح وضعيف الجامع الصغير وزيادته

ب – سلسلة الأحاديث الصحيحة وسلسلة الأحاديث الضعيفة

ج – إرواء الغليل

ومن قبل الألباني مؤلفات كثيرة ومن أهمها:

أ – نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية للزيلعي

ب - التلخيص الحبير للحافظ ابن حجر العسقلاني

ج – البدر المنير لابن الملقن

د – المغني في حمل الأسفار للعراقي

3- البحث عن طريق برامج الحاسب الآلي ومن أهمها:

أ – برنامج مكتبة الألباني الإصدار الثاني ( 52 ميقا ) 70 كتاب

http://www.alalbany.net/albany_mawsoa.php

ب – برنامج منظومة التحقيقات الحديثية ( 23 ميقا )

http://www.almeshkat.net/books/open.php?cat=33&book=2274

يحتوي على أهم كتب الألباني، كما يحتوي – أيضاً - على المغني عن حمل الأسفار للعراقي، ومجمع الزوائد، وروضة المحدثين.

4- البحث مباشرة في الإنترنت ومن أهم المواقع:

أ – الموسوعة الحديثية من موقع الدرر السنية

http://www.dorar.net/enc/hadith

ب- صفحة البحث في كتب الألباني من موقع الشبكة الإسلامية

http://arabic.islamicweb.com/Books/albani.asp

ج – موقع الموسوعة الشاملة

http://islamport.com/

اختر من مجال البحث: كتب الألباني أو كتب التخريج.

هذا وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


لماذا نقرأ سورتي الإخلاص في سنة الفجر والمغرب والوتر؟

لماذا نقرأ سورتي الإخلاص في سنة الفجر والمغرب والوتر؟

للإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله

ملاك السعادة والنجاة والفوز بتحقيق التوحيدين اللذين عليهما مدار كتاب الله تعالى، وبتحقيقهما بعث الله سبحانه وتعالى رسوله، وإليهما دعت الرسل -صلوات الله وسلامه عليهم- من أولهم إلى آخرهم:

أحدهما : التوحيد العلمي الخبري الاعتقادي المتضمن إثبات صفات الكمال لله تعالى، وتنزيهه فيها عن التشبيه والتمثيل، وتنزيهه عن صفات النقص.

والتوحيد الثاني : عبادته وحده لا شريك له، وتجريد محبته، والإخلاص له، وخوفه، ورجاؤه، والتوكل عليه، والرضى به رباً وإلاهاً وولياً، وأن لا يجعل له عدلاً في شيء من الأشياء.

وقد جمع سبحانه وتعالى هذين النوعين من التوحيد في سورتي الإخلاص وهما:

1- سورة : {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} المتضمن للتوحيد العملي الإرادي،

2- وسورة : {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} المتضمنة للتوحيد العلمي الخبري.

فسورة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} فيها بيان ما يجب لله تعالى من صفات الكمال، وبيان ما يجب تنزيهه من النقائص والأمثال.

وسورة {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} فيها إيجاب عبادته وحده لا شريك له، والتبريء من عبادة كل ما سواه.

ولا يتم أحد التوحيدين إلا بالآخر ولهذا كان النبي يقرأ بهاتين السورتين في سنة الفجر والمغرب والوتر اللتين هما فاتحة العمل وخاتمته ليكون مبدأ النهار توحيدا، وخاتمته توحيدا.

من كتاب اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية ص 93